سورة الحاقة - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


قوله: {الحاقة} هي: القيامة؛ لأن الأمر يحق فيها، وهي تحق في نفسها من غير شك. قال الأزهري: يقال: حاققته، فحققته أحقه: غالبته فغلبته أغلبه. فالقيامة حاقة؛ لأنها تحاق كل محاق في دين الله بالباطل، وتخصم كل مخاصم.
وقال في الصحاح: حاقه أي: خاصمه في صغار الأشياء، ويقال: ماله فيها حقّ ولا حقاق ولا خصومة، والتحاقّ: التخاصم، والحاقة والحقة والحقّ ثلاث لغات بمعنى. قال الواحدي: هي القيامة في قول كل المفسرين، وسميت بذلك لأنها ذات الحواقّ من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود. قال الكسائي، والمؤرج: الحاقة يوم الحق، وقيل: سميت بذلك لأن كل إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعمله، وقيل: سميت بذلك لأنها أحقت لقوم النار، وأحقت لقوم الجنة، وهي مبتدأ، وخبرها قوله: {مَا الحاقة} على أن ما الاستفهامية مبتدأ ثان، وخبره الحاقة، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والمعنى: أيّ شيء هي في حالها أو صفاتها، وقيل: إن ما الاستفهامية خبر لما بعدها، وهذه الجملة، وإن كان لفظها لفظ الاستفهام، فمعناها التعظيم والتفخيم لشأنها، كما تقول: زيد ما زيد، وقد قدّمنا تحقيق هذا المعنى في سورة الواقعة.
ثم زاد سبحانه في تفخيم أمرها وتفظيع شأنها وتهويل حالها، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحاقة} أي: أيّ شيء أعلمك ما هي؟ أي: كأنك لست تعلمها إذا لم تعاينها وتشاهد ما فيها من الأهوال، فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين. قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن وما أدراك، فقد أدراه إياه وعلمه، وكلّ شيء قال فيه: وما يدريك، فإنه أخبره به. وما مبتدأ، وخبره أدراك، و{ما الحاقة} جملة من مبتدأ، وخبر محلها النصب بإسقاط الخافض؛ لأن أدري يتعدّى إلى المفعول الثاني بالباء، كما في قوله: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: 16] فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني، وبدون الهمزة يتعدى إلى مفعول واحد بالباء نحو دريت بكذا، وإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين، وجملة، وما أدراك معطوفة على جملة: {ما الحاقة}. {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة} أي: بالقيامة، وسميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها.
وقال المبرّد: عنى بالقارعة القرآن الذي نزل في الدنيا على أنبيائهم، وكانوا يخوّفونهم بذلك فيكذبونهم. وقيل: القارعة مأخوذة من القرعة؛ لأنها ترفع أقواماً وتحط آخرين، والأوّل أولى، ويكون وضع القارعة موضع ضمير الحاقة للدلالة على عظيم هولها وفظاعة حالها، والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقة.
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} ثمود: هم قوم صالح، وقد تقدّم بيان هذا في غير موضع، وبيان منازلهم، وأين كانت، والطاغية الصيحة التي جاوزت الحدّ، وقيل: بطغيانهم وكفرهم، واصل الطغيان مجاوزة الحدّ.
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} عاد: هم قوم هود، وقد تقدّم بيان هذا، وذكر منازلهم، وأين كانت في غير موضع، والريح الصرصر هي الشديدة البرد، مأخوذ من الصرّ، وهو البرد. وقيل: هي الشديدة الصوت.
وقال مجاهد: الشديدة السموم، والعاتية التي عتت عن الطاعة، فكأنها عتت على خزانها، فلم تطعهم ولم يقدروا على ردّها لشدّة هبوبها، أو عتت على عاد، فلم يقدروا على ردّها بل أهلكتهم. {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ} هذه الجملة مستأنفة لبيان كيفية إهلاكهم، ومعنى {سَخَّرَهَا} سلطها، كذا قال مقاتل، وقيل: أرسلها.
وقال الزجاج: أقامها عليهم كما شاء، والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار، ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة لريح، وأن تكون حالاً منها لتخصيصها بالصفة، أو من الضمير في عاتية {وثمانية أَيَّامٍ} معطوف على {سَبْعَ لَيَالٍ}، وانتصاب {حُسُوماً} على الحال أي: ذات حسوم، أو على المصدر بفعل مقدّر أي: تحسمهم حسوماً، أو على أنه مفعول به، والحسوم التتابع، فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوّله عن آخره قيل له الحسوم. قال الزجاج: الذي توجبه اللغة في معنى قوله: {حُسُوماً} أي: تحسمهم حسوماً تفنيهم وتذهبهم. قال النضر بن شميل: حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم.
وقال الفراء: الحسوم الاتباع من حسم الداء، وهو الكيّ؛ لأن صاحبه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه، ومنه قول أبي دؤاد:
يفرق بينهم زمن طويل *** تتابع فيه أعواماً حسوماً
وقال المبرّد: هو من قولك حسمت الشيء: إذا قطعته وفصلته عن غيره. وقيل: الحسم الاستئصال، ويقال للسيف: حسام، لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته، والمعنى: أنها حسمتهم، أو قطعتهم وأذهبتهم، ومنه قول الشاعر:
فأرسلت ريحاً دبوراً عقيما *** فدارت عليهم فكانت حسوما
قال ابن زيد: أي: حسمتهم فلم تبق منهم أحداً.
وروي عنه أنه قال: حسمت الأيام والليالي حتى استوفتها؛ لأنها بدأت بطلوع الشمس من أوّل يوم، وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم.
وقال الليث: الحسوم هي الشؤم أي: تحسم الخير عن أهلها، كقوله: {فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} [فصلت: 16].
واختلف في أوّلها. فقيل: غداة الأحد. وقيل: غداة الجمعة. وقيل: غداة الأربعاء. قال وهب: وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز، كان فيها برد شديد وريح شديدة، وكان أوّلها يوم الأربعاء، وآخرها يوم الأربعاء {فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى} الخطاب لكلّ من يصلح له على تقدير أنه لو كان حاضراً حينئذٍ لرأى ذلك، والضمير في: {فيها} يعود إلى الليالي والأيام. وقيل: إلى مهاب الريح، والأوّل أولى. وصرعى جمع صريع يعني: موتى {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أي: أصول نخل ساقطة أو بالية. وقيل: خالية لا جوف فيها، والنخل يذكر ويؤنث، ومثله قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}
[القمر: 20] وقد تقدّم تفسيره، وهو إخبار عن عظم أجسامهم. قال يحيى بن سلام: إنما قال خاوية؛ لأن أبدانهم خلت من أرواحهم مثل النخل الخاوية {فَهَلْ ترى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ} أي: من فرقة باقية، أو من نفس باقية، أو من بقية على أن باقية مصدر كالعاقبة والعافية. قال ابن جريج: أقاموا سبع ليالٍ وثمانية أيام أحياء في عذاب الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر.
{وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ} أي: من الأمم الكافرة. قرأ الجمهور: {قبله} بفتح القاف وسكون الباء أي: ومن تقدّمه من القرون الماضية والأمم الخالية، وقرأ أبو عمرو، والكسائي بكسر القاف وفتح الباء أي: ومن هو في جهته من أتباعه، واختار أبو حاتم، وأبو عبيد القراءة الثانية لقراءة ابن مسعود وأبيّ ومن معه، ولقراءة أبي موسى ومن يلقاه {والمؤتفكات} قرأ الجمهور: {المؤتفكات} بالجمع، وهي قرى قوم لوط، وقرأ الحسن، والجحدري: {المؤتفكة} بالإفراد، واللام للجنس، فهي في معنى الجمع، والمعنى: وجاءت المؤتفكات {بِالْخَاطِئَةِ} أي: بالفعلة الخاطئة، أو الخطأ على أنها مصدر. والمراد: أنها جاءت بالشرك والمعاصي. قال مجاهد: بالخطايا، وقال الجرجاني: بالخطأ العظيم: {فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ} أي: فعصت كلّ أمة رسولها المرسل إليها. قال الكلبي: هو موسى، وقيل: لوط لأنه أقرب، قيل: ورسول هنا بمعنى رسالة، ومنه قول الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم *** بسرّ ولا أرسلتهم برسول
أي: برسالة {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} أي: أخذهم الله أخذة نامية زائدة على أخذات الأمم، والمعنى: أنها بالغة في الشدّة إلى الغاية، يقال: ربى الشيء يربو: إذا زاد وتضاعف. قال الزجاج: تزيد على الأخذات. قال مجاهد: شديدة: {إِنَّا لَمَّا طغى الماء} أي: تجاوز حدّه في الارتفاع والعلوّ، وذلك في زمن نوح لما أصرّ قومه على الكفر وكذبوه. وقيل: طغى على خزانه من الملائكة غضباً لربه، فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً {حملناكم فِى الجارية} أي: في أصلاب آبائكم، أو حملناهم وحملناكم في أصلابهم تغليباً للمخاطبين على الغائبين. والجارية سفينة نوح، وسميت جارية لأنها تجري في الماء، ومحل {في الجارية} النصب على الحال أي: رفعناكم فوق الماء حال كونكم في السفينة، ولما كان المقصود من ذكر قصص هذه الأمم، وذكر ما حلّ بهم من العذاب زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول قال: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} أي: لنجعل هذه الأمور المذكورة لكم يا أمة محمد عبرة وموعظة تستدلون بها على عظيم قدرة الله وبديع صنعه، أو لنجعل هذه الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لكم تذكرة {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ واعية} أي: تحفظها بعد سماعها أذن حافظة لما سمعت.
قال الزجاج: يقال: أوعيت كذا أي: حفظته في نفسي أعيه وعياً، ووعيت العلم، ووعيت ما قلته كله بمعنى، وأوعيت المتاع في الوعاء، ويقال لكل ما وعيته في غير نفسك: أوعيته بالألف، ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. قال قتادة في تفسير الآية: أذن سمعت وعقلت ما سمعت. قال الفراء: المعنى: لتحفظها كل أذن عظة لمن يأتي بعد. قرأ الجمهور: {تعيها} بكسر العين. وقرأ طلحة بن مصرّف، وحميد الأعرج، وأبو عمرو في رواية عنه بإسكان العين تشبيهاً لهذه الكلمة برحم وشهد وإن لم تكن من ذلك. قال الرازي: وروي عن ابن كثير إسكان العين، جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة كلمة واحدة، فخفف وأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف. انتهى. والأولى أن يكون هذا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف، كما في قراءة من قرأ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} [الأنعام: 109] بسكون الراء. قال القرطبي: واختلفت القراءة فيها عن عاصم، وابن كثير: يعني: تعيها.
{فَإِذَا نُفِخَ فِى الصور نَفْخَةٌ واحدة} هذا شروع في بيان الحاقة، وكيف وقوعها بعد بيان شأنها بإهلاك المكذبين. قال عطاء: يريد النفخة الأولى.
وقال الكلبي، ومقاتل يريد النفخة الأخيرة. قرأ الجمهور: {نفخة واحدة} بالرفع فيهما على أن نفخة مرتفعة على النيابة، وواحدة تأكيد لها، وحسن تذكير الفعل لوقوع الفصل. وقرأ أبو السماك بنصبهما على أن النائب هو الجار والمجرور. قال الزجاج: قوله: {فِى الصور} يقوم مقام ما لم يسمّ فاعله {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال} أي: رفعت من أماكنها وقلعت عن مقارّها بالقدرة الإلهية. قرأ الجمهور: {حملت} بتخفيف الميم. وقرأ الأعمش، وابن أبي عبلة، وابن مقسم، وابن عامر في رواية عنه بتشديدها للتكثير أو للتعدية {فَدُكَّتَا دَكَّةً واحدة} أي: فكسرتا كسرة واحدة لا زيادة عليها، أو ضربتا ضربة واحدة بعضهما ببعض حتى صارتا كثيباً مهيلاً وهباءً منبثاً. قال الفراء: ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة، ومثله قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ أَنَّ السموات والأرض كَانَتَا رَتْقاً ففتقناهما} [الأنبياء: 30]. وقيل: دكتا بسطتا بسطة واحدة، ومنه اندك سنام البعير: إذا انفرش على ظهره. {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة} أي: قامت القيامة. {وانشقت السماء فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} أي: انشقت بنزول ما فيها من الملائكة فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية. قال الزجاج: يقال لكل ما ضعف جدّاً: قد وهي فهو واهٍ، وقال الفرّاء: وهيها تشققها.
{والملك على أَرْجَائِهَا} أي: جنس الملك على أطرافها وجوانبها، وهي جمع رجى مقصور، وتثنيته رجوان مثل قفا وقفوان، والمعنى: أنها لما تشققت السماء، وهي مساكنهم لجئوا إلى أطرافها. قال الضحاك: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت، وتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الربّ، فينزلون إلى الأرض ويحيطون بالأرض ومن عليها.
وقال سعيد بن جبير: المعنى، والملك على حافات الدنيا أي: ينزلون إلى الأرض، وقيل: إذا صارت السماء قطعاً يقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثمانية} أي: يحمله فوق رءوسهم يوم القيامة ثمانية أملاك. وقيل: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ. وقيل: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، قاله الكلبي وغيره. {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} أي: تعرض العباد على الله لحسابهم، ومثله {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا} [الكهف: 48] وليس ذلك العرض عليه سبحانه ليعلم به ما لم يكن عالماً به وإنما عرض الاختبار والتوبيخ بالأعمال، وجملة: {لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} في محل نصب على الحال من ضمير تعرضون، أي: تعرضون حال كونه لا يخفى على الله سبحانه من ذواتكم أو أقوالكم وأفعالكم خافية كائنة ما كانت، والتقدير: أيّ نفس خافية أو فعلة خافية.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {الحاقة} من أسماء القيامة.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عنه قال: ما أرسل الله شيئًا من ريح إلاّ بمكيال، ولا قطرة من ماء إلاّ بمكيال إلاّ يوم نوح ويوم عاد. فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه، فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء} وأما يوم عاد فإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}.
وأخرج ابن جرير عن عليّ بن أبي طالب نحوه.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مرفوعاً: «قال ما أمر الخزّان على عاد إلاّ مثل موضع الخاتم من الريح، فعتت على الخزّان، فخرجت من نواحي الأبواب»، فذلك قوله: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} قال: «عتوّها عتت على الخزّان».
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} قال: الغالبة.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله: {حُسُوماً} قال: متتابعات.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طرق عن ابن عباس في قوله: {حُسُوماً} قال: تباعاً، وفي لفظ: متتابعات.
وأخرج ابن المنذر عنه: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} قال: هي أصولها، وفي قوله: {خَاوِيَةٍ} قال: خربة.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: {إِنَّا لَمَّا طغى الماء} قال: طغى على خزانه فنزل، ولم ينزل من السماء ماء إلاّ بمكيال، أو ميزان إلاّ زمن نوح، فإنه طغى على خزانه فنزل بغير كيل ولا وزن.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ واعية} قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ» فقال عليّ: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فنسيته. قال ابن كثير: وهو حديث مرسل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والواحدي، وابن مردويه، وابن عساكر، وابن النجار عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: «إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحقّ لك أن تعي، فنزلت هذه الآية {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ واعية} فأنت أذن واعيةً، يا عليّ» قال ابن كثير: ولا يصح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عمر في قوله: {أُذُنٌ واعية} قال: أذن عقلت عن الله.
وأخرج الحاكم، والبيهقي في البعث عن أبي بن كعب في قوله: {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً واحدة} قال: تصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين، وذلك قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40 41].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} قال: متخرقة.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {والملك على أَرْجَائِهَا} قال: على حافاتها على ما لم يهيء منها.
وأخرج عبد بن حميد، وعثمان بن سعيد الدارمي في الردّ على الجهمية، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن خزيمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والخطيب في: تالي التلخيص عنه أيضاً في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثمانية} قال: ثمانية أملاك على صورة الأوعال.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً من طرق في الآية قال: يقال: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلاّ الله، ويقال: ثمانية أملاك رءوسهم عند العرش في السماء السابعة، وأقدامهم في الأرض السفلى، ولهم قرون كقرون الوعلة، ما بين أصل قرن أحدهم إلى منتهاه خمسمائة عام.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي موسى قال: قال رسول الله: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله».
وأخرج ابن جرير، والبيهقي في البعث عن ابن مسعود نحوه.


لما ذكر سبحانه العرض ذكر ما يكون فيه، فقال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ} أي: أعطي كتابه الذي كتبته الحفظة عليه من أعماله {فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقرؤا كتابيه} يقول ذلك سروراً وابتهاجاً. قال ابن السكيت، والكسائي: العرب تقول: ها يا رجل، وللاثنين هاؤما يا رجلان، وللجمع هاؤم يا رجال. قيل: والأصل هاؤكم، فأبدلت الهمزة من الكاف، قال ابن زيد: ومعنى {هاؤم}: تعالوا.
وقال مقاتل: هلم. وقيل: خذوا؛ والذي صرح به النحاة أنها بمعنى خذ، يقول: ها بمعنى خذ، وهاؤما بمعنى خذا، وهاؤم بمعنى خذوا، فهي اسم فعل، وقد يكون فعلاً صريحاً لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها، وفيها ثلاث لغات، كما هو معروف في علم الإعراب، وقوله: {كتابيه} معمول لقوله: {اقرءوا} لأنه أقرب الفعلين، ومعمول {هَاؤُمُ} محذوف يدل عليه معمول {اقرءوا} والتقدير: هاؤم كتابيه اقرءوا كتابيه، والهاء في كتابيه وحسابيه وسلطانيه وماليه، هي هاء السكت. قرأ الجمهور في هذه بإثبات الهاء وقفاً ووصلاً مطابقة لرسم المصحف، ولولا ذلك لحذفت في الوصل، كما هو شأن هاء السكت، واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت، ويوافق الخط، يعني: خط المصحف. قرأ ابن محيصن، وابن أبي إسحاق، وحميد، ومجاهد، والأعمش، ويعقوب بحذفها وصلاً، وإثباتها وقفاً في جميع هذه الألفاظ. ورويت هذه القراءة عن حمزة، واختار أبو حاتم هذه القراءة اتباعاً للغة.
وروي عن ابن محيصن أنه قرأ بحذفها وصلاً ووقفاً.
{إِنّى ظَنَنتُ أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ} أي: علمت وأيقنت في الدنيا أني أحاسب في الآخرة. وقيل المعنى: إني ظننت أن يأخذني الله بسيئاتي، فقد تفضل عليّ بعفوه ولم يؤاخذني. قال الضحاك: كل ظنّ في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. قال مجاهد: ظن الآخرة يقين وظنّ الدنيا شك. قال الحسن في هذه الآية: إن المؤمن أحسن الظنّ بربه فأحسن العمل للآخرة، وإن الكافر أساء الظنّ بربه فأساء العمل. قيل: والتعبير بالظنّ هنا للإشعار بأنه لا يقدح في الاعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالباً {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي: في عيشة مرضية لا مكروهة، أو ذات رضى أي: يرضى بها صاحبها. قال أبو عبيدة، والفراء: راضية أي: مرضية كقوله: {مَّاء دَافِقٍ} [الطارق: 6] أي: مدفوق، فقد أسند إلى العيشة ما هو لصاحبها، فكان ذلك من المجاز في الإسناد {فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} أي: مرتفعة المكان لأنها في السماء، أو مرتفعة المنازل، أو عظيمة في النفوس. {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} القطوف: جمع قطف بكسر القاف، ما يقطف من الثمار، والقطف بالفتح المصدر، والقطاف بالفتح والكسر وقت القطف، والمعنى: أن ثمارها قريبة ممن يتناولها من قائم أو قاعد أو مضطجع.
{كُلُواْ واشربوا} أي: يقال لهم: كلوا واشربوا في الجنة {هَنِيئَاً} أي: أكلاً وشرباً هنيئاً لا تكدير فيه ولا تنغيص {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الأيام الخالية} أي: بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الدنيا.
وقال مجاهد: هي أيام الصيام.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ} حزناً وكرباً لما رأى فيه من سيئاته {فَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُوتَ كتابيه} أي: لم أعط كتابيه {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} أي: لم أدر أيّ شيء حسابي. لأن كله عليه. {ياليتها كَانَتِ القاضية} أي: ليت الموتة التي متّها كانت القاضية، ولم أحي بعدها، ومعنى القاضية: القاطعة للحياة، والمعنى: أنه تمنى دوام الموت، وعدم البعث لما شاهد من سوء عمله وما يصير إليه من العذاب، فالضمير في ليتها يعود إلى الموتة التي قد كان ماتها، وإن لم تكن مذكورة؛ لأنها لظهورها كانت كالمذكورة. قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن في الدنيا شيء عنده أكره منه، وشرّ من الموت ما يطلب منه الموت. وقيل: الضمير يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، والمعنى: يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت عليّ. {مَا أغنى عَنّى مَالِيَهْ} أي: لم يدفع عني من عذاب الله شيئًا على أن ما نافية، أو استفهامية، والمعنى: أيّ شيء أغنى عني مالي. {هَلَكَ عَنّى سلطانيه} أي: هلكت عني حجتي وضلت عني، كذا قال مجاهد، وعكرمة، والسديّ، والضحاك.
وقال ابن زيد: يعني: سلطاني الذي في الدنيا، وهو الملك، وقيل: تسلطي على جوارحي. قال مقاتل: يعني: حين شهدت عليه الجوارح بالشرك، وحينئذٍ يقول الله عزّ وجلّ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي: اجمعوا يده إلى عنقه بالأغلال. {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} أي: أدخلوه الجحيم، والمعنى: لا تصلوه إلاّ الجحيم، وهي النار العظيمة {ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ} السلسلة حلق منتظمة، وذرعها طولها. قال الحسن: الله أعلم بأيّ ذراع هو. قال نوف الشامي: كل ذراع سبعون باعاً كل باع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان نوف في رحبة الكوفة. قال مقاتل: لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، ومعنى {فَاْسْلُكُوهُ}: فاجعلوه فيها، يقال: سلكته الطريق إذا أدخلته فيه. قال سفيان: بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه. قال الكلبي: تسلك سلك الخيط في اللؤلؤ.
وقال سويد بن أبي نجيح: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة، وتقديم السلسلة للدلالة على الاختصاص كتقديم الجحيم، وجملة: {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم} تعليل لما قبلها. {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} أي: لا يحث على إطعام المسكين من ماله، أو لا يحث الغير على إطعامه، ووضع الطعام موضع الإطعام، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء، كما قال الشاعر:
أكفراً بعد ردّ موتي عني *** وبعد عطائك المال الرعابا
أي: بعد إعطائك، ويجوز أن يكون الطعام على معناه غير موضوع موضع المصدر، والمعنى: أنه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكين، وفي جعل هذا قريناً لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدّق على المساكين وسدّ فاقتهم، وحثّ النفس والناس على ذلك ما يدلّ أبلغ دلالة، ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشدّ المآثم. {فَلَيْسَ لَهُ اليوم هاهنا حَمِيمٍ} أي: ليس له يوم القيامة في الآخرة قريب ينفعه أو يشفع له؛ لأنه يوم يفرّ فيه القريب من قريبه، ويهرب عنده الحبيب من حبيبه. {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} أي: وليس له طعام يأكله إلاّ من صديد أهل النار، وما ينغسل من أبدانهم من القيح والصديد، وغسلين فعلين من الغسل.
وقال الضحاك، والربيع بن أنس: هو شجر يأكله أهل النار.
وقال قتادة: هو شرّ الطعام.
وقال ابن زيد: لا يعلم ما هو ولا ما الزقوم إلاّ الله تعالى.
وقال سبحانه في موضع آخر {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6]، فيجوز أن يكون الضريع هو الغسلين. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إلاّ من غسلين على أن الحميم هو الماء الحار. {وَلاَ طَعَامٌ} أي: ليس لهم طعام يأكلونه، ولا ملجئ لهذا التقديم والتأخير، وجملة: {لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون} صفة لغسلين، والمراد أصحاب الخطايا وأرباب الذنوب. قال الكلبي: المراد الشرك. قرأ الجمهور: {الخاطئون} مهموزاً، وهو اسم فاعل من خطئ إذا فعل غير الصواب متعمداً، والمخطئ من يفعله غير متعمد. وقرأ الزهري، وطلحة بن مصرف، والحسن: {الخاطيون} بياء مضمومة بدل الهمزة. وقرأ نافع في رواية عنه بضم الطاء بدون همزة.
{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} هذا ردّ لكلام المشركين كأنه قال: ليس الأمر كما تقولون، ولا زائدة، والتقدير: فأقسم بما تشاهدونه وما لا تشاهدونه. قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر، فيدخل في هذا جميع المخلوقات. وقيل: إن {لا} ليست زائدة، بل هي لنفي القسم، أي: لا أحتاج إلى قسم لوضوح الحقّ في ذلك، والأوّل أولى. {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي: إن القرآن لتلاوة رسول كريم، على أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو إنه لقول يبلغه رسول كريم. قال الحسن، والكلبي، ومقاتل: يريد به جبريل، دليله قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ}
[التكوير: 19 20] وعلى كل حال، فالقرآن ليس من قول محمد، ولا من قول جبريل عليه السلام، بل هو قول الله، فلا بدّ من تقدير التلاوة أو التبليغ. {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} كما تزعمون؛ لأنه ليس من أصناف الشعر ولا مشابه لها {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} أي: إيماناً قليلاً تؤمنون، وتصديقاً يسيراً تصدقون، و{ما} زائدة {وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ} كما تزعمون، فإن الكهانة أمر آخر لا جامع بينها وبين هذا {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} أي: تذكراً قليلاً، أو زماناً قليلاً تتذكرون، وما زائدة، والقلة في الموضعين بمعنى النفي أي: لا تؤمنون ولا تتذكرون أصلاً {تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين} قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو تنزيل. وقرأ أبو السماك بالنصب على المصدرية بإضمار فعل أي: نزل تنزيلاً، والمعنى: إنه لقول رسول كريم، وهو تنزيل من ربّ العالمين على لسانه.
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} أي: ولو تقوّل ذلك الرسول، وهو محمد أو جبريل على ما تقدّم، والتقوّل تكلف القول، والمعنى: أو تكلف ذلك وجاء به من جهة نفسه، وسمي الافتراء تقوّلاً لأنه قول متكلف، وكلّ كاذب يتكلف ما يكذب به. قرأ الجمهور: {تقوّل} مبنياً للفاعل. وقرئ مبنياً للمفعول مع رفع بعض. وقرأ ابن ذكوان: {ولو يقول} على صيغة المضارع، والأقاويل جمع أقوال، والأقوال جمع قول. {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} أي: بيده اليمين. قال ابن جرير: إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب.
وقال الفراء، والمبرد، والزجاج، وابن قتيبة: {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} أي: بالقوّة والقدرة. قال ابن قتيبة: وإنما أقام اليمين مقام القوّة؛ لأن قوّة كل شيء في ميامنه، ومن هذا قول الشاعر:
إذا ما راية نصبت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين
وقول الآخر:
ولما رأيت الشمس أشرق نورها *** تناولت منها حاجتي بيميني
{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} الوتين عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه. قال الواحدي: والمفسرون يقولون: إنه نياط القلب. انتهى. ومن هذا قول الشاعر:
إذا بلغتني وحملت رحلي *** عرابة فاشرقي بدم الوتين
{فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين} أي: ليس منكم أحد يحجزنا عنه ويدفعنا منه، فكيف يتكلف الكذب على الله لأجلكم، مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه، ولا تقدرون على الدفع منه، والحجز: المنع {وحاجزين} صفة لأحد، أو خبر لما الحجازية. {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتَّقِينَ} أي: إن القرآن لتذكرة لأهل التقوى لأنهم المنتفعون به. {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ} أي: أن بعضكم يكذب بالقرآن، فنحن نجازيهم على ذلك، وفي هذا وعيد شديد {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين} أي: وإن القرآن لحسرة وندامة على الكافرين يوم القيامة عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين، وقيل: هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدّيهم بأن يأتوا بسورة من مثله.
{وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين} أي: وإن القرآن لكونه من عند الله حقّ، فلا يحول حوله ريب ولا يتطرّق إليه شك. {فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} أي: نزهه عما لا يليق به. وقيل: فصلّ لربك، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إِنّى ظَنَنتُ} قال: أيقنت.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} قال: قريبة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن البراء في الآية قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو قائم.
وأخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: {فَاْسْلُكُوهُ} قال: السلسلة تدخل في استه ثم تخرج من فيه، ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود، ثم يشوى.
وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي الدرداء قال: إن لله سلسلة لم تزل تغلي منها مراجل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم تلقى في أعناق الناس، وقد نجانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم، فحضي على طعام المسكين يا أمّ الدرداء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: الغسلين الدّم والماء والصديد الذي يسيل من لحومهم.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري: عن النبيّ قال: «لو أن دلواً من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: الغسلين اسم طعام من أطعمة أهل النار.
وأخرج ابن جرير عنه {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} يقول: بما ترون وما لا ترون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} قال: بقدرة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عنه قال: {الوتين} عرق القلب.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عنه أيضاً قال: {الوتين} نياط القلب.
وأخرج ابن المنذر، والحاكم، وصححه عنه أيضاً قال: هو حبل القلب الذي في الظهر.